فصل: الفوائد:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[سورة الأنبياء: آية 112]:

{قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمنُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ (112)}.

.الإعراب:

{ربّ} مرّ إعرابه، {بالحقّ} متعلق بـ: {احكم} وقد أقيمت الصفة مكان الموصوف أي احكم بحكمك الحقّ الواو واو العطف {الرحمن} خبر المبتدأ مرفوع {المستعان} خبر ثان مرفوع {ما} حرف مصدريّ.
والمصدر المؤوّل {ما تصفون} في محلّ جرّ بحرف الجرّ متعلق بـ: {المستعان}.
جملة: {قال} لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: {ربّ احكم} في محلّ نصب مقول القول.
وجملة: {احكم} لا محلّ لها جواب النداء.
وجملة: {ربّنا الرحمن} في محلّ نصب معطوفة على جملة مقول القول.

.الفوائد:

- التعليق عن العمل:
وهو إبطال عمل الأفعال التي تنصب مفعولين لفظا لا محلا. ومن المعلقات:
1- لام الابتداء: نحو {لقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق}.
2- لام القسم: كقول لبيد:
ولقد علمت لتأتينّ منيتي ** إن المنايا لا تطيش سهامها

3- ما النافية: نحو {لَقَدْ عَلِمْتَ ما هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ}.
4- لا وإن النافيتان.
5- الاستفهام: نحو: الآية {وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ} إلخ وكذلك:
ما كنت أدري قبل عزّة ما البكا ** ولا موجعات القلب حتى تولت

. اهـ.

.قال محيي الدين الدرويش:

(21) سورة الأنبياء مكية وآياتها اثنتا عشرة ومائة.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ:

.[سورة الأنبياء: الآيات 1- 5]:

{اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (1) ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2) لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هذا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (3) قالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السماء وَالأرض وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (4) بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَراهُ بَلْ هُوَ شاعِرٌ فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الأولونَ (5)}.

.اللغة:

{النَّجْوَى}: الكلام السرّ وهي اسم من التناجي ولا تكون إلا خفية، وفي القاموس: وهو وصف بالمصدر يستوفى فيه المفرد والجمع يقال: هم نجوى.
{أَضْغاثُ أَحْلامٍ}: أخلاط رآها في النوم وقد تقدم بحثها.

.الإعراب:

{اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ} {اقترب} فعل ماض مبني على الفتح و{للناس} متعلقان باقترب ويجوز أن تكون تأكيدا لإضافة الحساب إليهم كقولك أزف للحي رحيلهم. والأصل أزف رحيل الحي ثم أزف للحي الرحيل ثم أزف للحي رحيلهم، و{حسابهم} فاعل {اقترب} لأن كل آت قريب مهما يطل الأمد والواو للحال و{هم} مبتدأ و{في غفلة} خبر و{معرضون} خبر ثان. {ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ} الجملة تعليل للجملة السابقة فلا محل لها و{ما} نافية و{يأتيهم} فعل مضارع والهاء مفعول به ومن حرف جر زائد لسبقه بالنفي وذكر مجرور لفظا مرفوع محلا على الفاعلية و{من ربهم} صفة لذكر و{محدث} صفة ثانية ويجوز تعليق {من ربهم} بيأتيهم أو بمحذوف حال من ذكر لأنه وصف بمحدث و{إلا} أداة حصر لأن الاستثناء مفرغ وجملة {استمعوه} في محل نصب على الحال من مفعول {يأتيهم} وقد مقدرة وهم الواو حالية و{هم} مبتدأ وجملة {يلعبون} خبر {هم} والجملة نصب على الحال من فاعل {استمعوه} هذا وقد استدل بوصف الذكر بكونه محدثا على أن القرآن محدث لأن الذكر هنا هو القرآن وأجيب بأنه لا نزاع في حدوث المركب من الأصوات والحروف لأنه متجدد في النزول فالمعنى محدث تنزيله وإنما النزاع في الكلام النفسي.
{لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} {لاهية} حال من فاعل {يلعبون} أيضا فتكون حالا متداخلة ويجوز أن تكون حالا من فاعل {استمعوه} فتكون الحالان مترادفتين لأن الحال يجوز تعددها وقلوبهم فاعل {لاهية} و{أسروا} فعل وفاعل و{النجوى} مفعول به و{الذين} بدل من واو و{أسروا النجوى} إشعارا بأنهم الموسومون بالظلم الفاحش الذي جاءوا به وسيأتي المزيد من إعراب هذه الكلمة في باب الفوائد، وجملة {ظلموا} صلة و{هل} حرف استفهام و{هذا} مبتدأ و{إلا} أداة حصر و{بشر} خبر. و{مثلكم} صفة والجملة الاستفهامية في محل نصب بدل من {النجوى} لأنها بمثابة التفسير لها وأجاز الزمخشري أن تكون في محل نصب مقول قول محذوف ويجوز أن تكون في محل نصب محكية للنجوى لأنها في معنى القول، ولا أرى مانعا من أتكون جملة لا محل لها لأنها مفسرة. {أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ} وهذه الجملة تنطبق عليها الأوجه المتقدمة والهمزة للاستفهام والفاء عاطفة على مقدر و{تأتون السحر} فعل مضارع وفاعل ومفعول به والواو للحال و{أنتم} مبتدأ وجملة {تبصرون} خبر وجملة {وأنتم تبصرون} حالية من فاعل {تأتون} مقررة للانكار. {قالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السماء وَالأرض وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} {ربي} مبتدأ وجملة {يعلم القول} خبر والجملة مقول القول و{في السماء والأرض} متعلقان بمحذوف حال من القول أو بيعلم وهو الواو عاطفة وهو مبتدأ و{السميع العليم} خبران لهو وحذف متعلقهما للعلم به أي السميع لما أسروه والعليم به.
{بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَراهُ بَلْ هُوَ شاعِرٌ} أضربوا عن قولهم هو سحر فقالوا هو أضغاث أحلام فأضغاث أحلام خبر لمبتدأ محذوف والجملة في محل نصب مقول قالوا بل افتراه ثم أضربوا عن ذلك فقالوا اختلقه فافتراه فعل ماض وفاعل مستتر ومفعول به ثم أضربوا أيضا فقالوا هو شاعر مبتدأ وخبر. {فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الأولونَ} الفاء الفصيحة لأنها أفصحت عن شرط مقدر كأنه قيل وإن لم يكن كما قلنا فليأتنا واللام لام الأمر ويأت فعل مضارع مجزوم بلام الأمر وعلامة جزمه حذف حرف العلة والفاعل مستتر تقديره هو ونا ضمير متصل في محل نصب مفعول به كما يجوز في الكاف أن تكون نعتا لآية أي كائنة مثل الآية التي أرسل بها الأولون وعندئذ فما موصولة ويجوز أن تكون نعتا لمصدر محذوف وما مصدرية أي فليأتنا بآية إتيانا كائنا مثل إرسال الأولين.

.الفوائد:

قوله تعالى: {وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} قال أبو البقاء: {الذين ظلموا} في موضعه ثلاثة أوجه: أحدها: الرفع، وفيه أربعة أوجه:
أ- أن يكون بدلا من الواو في و{أسروا}.
ب- أن يكون فاعلا والواو حرف للجمع لا اسم.
ج- أن يكون مبتدأ والخبر {هل هذا} والتقدير يقولون: هل هذا؟
د- أن يكون خبر مبتدأ محذوف أي هم الذين ظلموا.
وثانيها: أن يكون منصوبا على إضمار أعني.
وثالثها: أن يكون مجرورا صفة للناس.
والمعروف أن الفعل يجب أن يبقى مع الفاعل بصيغة الواحد وان كان مثنى أو مجموعا قال ابن مالك:
وجرد الفعل إذا ما أسندا ** لاثنين أو جمع كفاز الشهدا

إلا على لغة ضعيفة لبعض العرب فيطابق فيها الفعل الفاعل، وحكى البصريون عن طيء وحكى بعضهم عن ازدشنوءة نحو ضربوني قومك وضربنني نسوتك وضرباني أخواك وفي الحديث: «أو مخرجيّ هم» وقال عمرو بن ملقط الجاهلي:
ألفيتا عيناك عند القفا ** أولى فأولى لك ذا واقيه

فألفيتا بالبناء للمجهول فعل ماض وعيناك نائب الفاعل فألحق الفعل علامة التثنية مع إسناده إلى الظاهر ونائب الفاعل كالفاعل وعند ظرف بمعنى قرب متعلق بـ: ألفيتا وذا واقية حال من المضاف إليه وهو الكاف وواقية مصدر معناه الوقاية كالكاذبة مصدر معناه الكذب وأولى، فأولى لك دعاء أي قاربك ما يهلكك قال العيني: فإن قلت: ما موقع أولى من الإعراب؟ قلت: يجوز أن يكون في محل الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره دعائي أولى لك، فأولى لك عطف على أولى الأول كرر للتأكيد وقال أبو البقاء في إعراب أولى لك فأولى فيه قولان أحدهما فعلى والألف فيه للإلحاق لا للتأنيث والثاني أفعل وهو على القولين هنا ولذلك لم ينون ويدل عليه ما حكى أبو زيد في النوادر وهي أولات بالتاء غير مصروف لأنه صار علما للوعيد فصار كرجل اسمه أحمد فعلى هذا يكون أولى مبتدأ ولك الخبر والثاني أن يكون اسما للفعل مبنيا ومعناه ويلك شر بعد شر ولك تبيين، وهذا البيت يصف به رجلا إذا اشتد الوطيس فهو يلتفت إلى ورائه مخافة أن يتبع فتلفى عيناه عند فقاه من شدة الالتفات، وقال أبو فراس:
تنج الربيع محاسنا ** ألقحنها غر السحائب

وأبو فراس من المولدين والغرض من كلامه التمثيل لا الاستشهاد.
وارتأى الشيخ مصطفى الغلاييني رأيا جميلا وسنورد نص كلامه: وما ورد من ذلك من فصيح الكلام فيعرب الظاهر بدلا من المضمر وعليه قوله تعالى: {وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} أو يعرب الظاهر مبتدأ والجملة قبله خبر مقدم، أو يعرب فاعلا لفعل محذوف فكأنه قيل بعد قوله: {وأسروا النجوى} من أسرها؟ فيقال أسرها الذين ظلموا وهو الحق وهذا لا يكون إلا حيث يستدعي المقام تقدير كلام استفهامي كما ترى في الآية الكريمة. ونحسب أن القول قد أشبع فحسبنا ما تقدم.

.[سورة الأنبياء: الآيات 6- 13]:

{ما آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكِناها أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ (6) وما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (7) وما جَعَلْناهُمْ جَسَدًا لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ وما كانُوا خالِدِينَ (8) ثُمَّ صَدَقْناهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْناهُمْ وَمَنْ نشاء وَأَهْلَكِنا الْمُسْرِفِينَ (9) لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ (10) وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً وَأَنْشَأْنا بَعْدَها قَوما آخَرِينَ (11) فَلَمَا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ (12) لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ (13)}.

.اللغة:

قَصَمْنا: القصم أبلغ من الكسر وفي القاموس قصم من باب صرب قصما الشيء: كسره، وقصم الرجل: أهلكه، ويقال: قصم اللّه ظهر الظالم أي أنزل به البلية وللقاف مع الصاد فاء وعينا للكلمة سر عجيب، انهما تدلان على الكسر والمحق والإهلاك فقولهم: قصب الشاة يعني قطعها قطعا أو عضوا عضوا ومنه سمي القصاب أي الجزار والقصّابة مؤنث القصاب ولها معنى آخر وهو ما نسميه اليوم الناي أي قصبة ينفخ بها للغناء وعن بعض العرب: قلت أبياتا فغنى بها حكم الوادي فو اللّه ما حرك بها قصّابة إلا خفت النار فتركت قول الشعر، وهي الوتر، ونفخ في القصابة: في المزمار، وأقصدته المنية أهلكته ومنه قصد الرجل أتى إليه ونحا نحوه، وقصرته حبسته وقصرت نفسي على هذا الأمر إذا لم تطمح إلى غيره وقصرت طرفي لم أرفعه إلى مالا ينبغي وهنّ قاصرات الطرف: قصرنه على أزواجهنّ، وقص الشعر والريش وقصّصه معروف وجناح مقصوص ومقصص، وقصع الصّؤاب بين ظفريه قتله وقصعت الرحى الحب فضخته وصبي قصيع قميء لا يشب، وقصف القناة والعود كسرهما وقصف ظهره ورجل مقصوف والعامة تقول لمن تدعو عليه يا مقصوف وهي فصيحة لا غبار عليها وعصفت ريح فقصفت السفينة وعود قصف: سريع الانكسار، قال الطرماح:
تميم تمنّى الحرب ما لم ألاقها ** وهم قصف العيدان في الحرب خورها

وقصله قطعه قطعا وحيّا وسيف قاصل وقصّال ومقصل وقصل فرسه يقصله: علفه القصيل ومنه المقصلة وهي آلة للاعدام قوامها سكين تسقط على رأس المجرم فتقطعه، وقصا يقصو قصوا وقصوا وقصا وقصاء الرجل تباعد وفي البعد إشارة إلى الهلكة لأنها بعد أيضا.
{أُتْرِفْتُمْ}: نعمتم من العيش الرافه والحال الناعمة والإتراف ابطار النعمة.

.الإعراب:

{ما آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكِناها أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ} {ما} نافية و{آمنت} فعل ماض والتاء للتأنيث والجملة مستأنفة مسوقة لتقرير كفرهم واستبعاد إيمانهم وقبلهم ظرف متعلق بـ {آمنت} و{من} حرف جر زائد وقرية مجرور لفظا فاعل {آمنت} محلا وجملة {أهلَكِناها} صفة لقرية والمراد بالقرية أهلها كما سيأتي في باب البلاغة، {أفهم} الهمزة للاستفهام الإنكاري والفاء عاطفة وهم مبتدأ وجملة {يؤمنون} خبر. {وما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ} الواو عاطفة و{ما} نافية و{أرسلنا} فعل ماض وفاعل {إلا} أداة حصر و{رجالا} مفعول {أرسلنا} وجملة {نوحي إليهم} صفة لـ: {رجالا}، وصيغة المضارع لحكاية الحال الماضية. {فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} الفاء الفصيحة واسألوا فعل أمر وفاعل و{أهل الذكر} مفعول به و{إن} شرطية و{كنتم} فعل ماض ناقص في محل جزم فعل الشرط والتاء اسمها وجملة {لا تعلمون} خبرها وجواب الشرط محذوف دلت عليه الفاء الفصيحة. {وما جَعَلْناهُمْ جَسَدًا لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ وما كانُوا خالِدِينَ} الواو عاطفة و{ما} نافية و{جعلناهم} فعل وفاعل ومفعول به و{جسدا} مفعول ثان إذا كانت جعل بمعنى التصيير وإن كانت بمعنى الخلق فجسدا حال مؤولة بالمشتق أي متغذين، وجملة {لا يأكلون الطعام} في محل نصب نعت لجسدا وجسد مفرد أريد به الجمع وانما وحدّه ليشمل الجنس عامة لأن الجسد لابد له من غذاء، والواو عاطفة و{ما} نافية و{كانوا خالدين} كان واسمها وخبرها والجملة معطوفة على {لا يأكلون} {ثُمَّ صَدَقْناهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْناهُمْ وَمَنْ نشاء وَأَهْلَكِنا الْمُسْرِفِينَ} {ثم} حرف عطف و{صدقناهم} فعل وفاعل ومفعول والوعد منصوب بنزع الخافض لأن {صدق} يتعدى لاثنين إلى ثانيهما بحرف الجر والأصل في الوعد، {فأنجيناهم} عطف على {صدقناهم} {ومن نشاء} عطف على الهاء وجملة {نشاء} صلة و{أهلَكِنا المسرفين} عطف على {أنجيناهم} و{المسرفين} مفعول به. {لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ} اللام جواب لقسم محذوف وقد حرف تحقيق و{أنزلنا} فعل وفاعل و{إليكم} متعلقان بأنزلنا و{كتابا} مفعول به و{فيه} خبر مقدم و{ذكركم} مبتدأ مؤخر والجملة صفة لكتابا وسيأتي معنى فيه ذكركم في باب الفوائد والهمزة للاستفهام الإنكاري التوبيخي والفاء عاطفة على مقدر ينسحب عليه الكلام أي ألا تتفكرون فلا تعقلون شيئا من الأشياء المذكورة لكم، {وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً وَأَنْشَأْنا بَعْدَها قَوما آخَرِينَ} الواو عاطفة أو استئنافية مسوقة للتمثيل بالأمم التي هلكت قبلهم و{كم} خبرية مفعول به مقدم لقصمنا و{من قرية} تمييز لكم الخبرية مجرور بمن وقد تقدم ذلك وجملة {كانت ظالمة} صفة لقرية والمراد بالقرية أهلها و{كانت ظالمة} كان واسمها المستتر وخبرها و{أنشأنا} عطف على {قصمنا} وبعدها ظرف متعلق بـ: {أنشأنا} و{قوما} مفعول به و{آخرين} صفة لقوما. {فَلَمَا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ} الفاء عاطفة ولما ظرفية حينية أو رابطة و{إذا} الفجائية وقد تقدم الكلام حولها والخلاف فيها مشبعين و{هم} مبتدأ وجملة {يركضون} خبرهم و{منها} متعلقان بيركضون وقد استدل بعضهم بهذه الآية على أن لما حرف وسماها ابن هشام رابطة لأنه لا عامل لها إذا أعربت ظرفا بمعنى حين ونرى أن معنى المفاجأة التي دلت عليه إذا هو العامل وسيأتي مزيد بحث عن لما في باب الفوائد.
{لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ}.
{لا} ناهية و{تركضوا} فعل مضارع مجزوم بلا الناهية وعلامة جزمه حذف النون والواو فاعل وجملة {لا تركضوا} مقول قول محذوف والقائل اختلف فيه فقيل هم الملائكة وقيل هم من كان هناك من المؤمنين وهذا القول على سبيل الاستهزاء بهم طبعا، و{ارجعوا} فعل أمر معطوف على {لا تركضوا} و{إلى ما} متعلقان بارجعوا وجملة {أترفتم} صلة و{فيه} متعلقان بأترفتم و{مساكنكم} بالجر عطف على {ما} و{لعلكم تسألون} لعل واسمها وخبرها والترجي هنا استهزاء بهم وتهكم بما كانوا يظنونه بأنفسهم من أنهم مظنة السخاء ومطلع الكرم والمعنى ارجعوا إلى نعيمكم ومساكنكم لعلكم تسألون شيئا من دنياكم حسبما تتصورون أنفسكم من أنكم أهل النوال والعطاء حيث يسألكم الناس في العوادي والنوازل ويندبونكم للملمات ويستشيرونكم في المعضلات وسيأتي المزيد عن هذا البحث الشيق في باب البلاغة.